غـربة

أحمد عيسى


عاتبت الليل الذي يأتي في الصباح أحياناً ..
سكبت وجعي على حبلٍ من الشوق امتد سريعاً كي يرسم حكاية تبدأ هنا ولا تنتهي هناك .

قالت : لا يمكنك الوثوق بحدسك دائما ، عليك أن تجرب سياسة أخرى ، ربما يلزمك بعض الجرأة لاقتحام بعض المستحيلات ..
لم أبالِ بما تقول ، لم أكن أسمع أصلاً ما تقول .
كنت أعزف على لحنٍ آخر غريب عنها ، وأجرب نغمة لم تعرفها هي من قبلي ..
ركنت أشيائي بجانبها ، فاستراحت ...
قلت لها أن الضوء لا يشي دائماً بنور الصباح .. هنالك أشياء تحس ولا ترى ، وأنا لا أشعر بنفسي في جنباتك ..
قالت : ومن ذا يبكي عليك ، من أنت أصلاً وماذا تمثل لي ؟
أيها المار هنا كسرابٍ لن يطول وقعه طويلاً .. خياراتك لك وحدك ، افعل ما تشاء ولا تنتظر ردة فعلي ، فأنا صوت الندم الذي سوف يطاردك ما حييت ..
تأملت فستانها زاهي الألوان ، راقبت تناوب الانفعالات على صفحة وجهها التي تحمل ألف لون ..
على يديها آثار جريمة منذ الأزل .. عذابات اختصرتها هي في وجع واحد ..
يا أنتِ ...
لستِ خياري الوحيد ولم يكتب علي أن أموت صريع هواكِ ..
لا زال في الطريق بصيصا يحس ولا يرى ..
تاركك أنا قبل أن تلفظيني ...
فعليكِ السلامْ ..

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ياسمين

أميرة عبد الله
-توقفي عن هذا الهراء ياسمين واصعدي لهنا حالاً..لم يعد لدينا وقت ..
الحقائب جاهزة وكل شيء معد للسفر.
استمعت لأصوات كثيرة ،امتزجَ فيها العويل مع صوت نباح كلب جيرانهم الذي لا يمل
من تعكير صفوهم ..
"لمَ لا يتوقف انهمار المطر الكثيف ؟ الرؤية منعدمة ..وصوت صفير الريح يطغى على قرع أجراس الوداع.." سمعت ياسمين صوت الهمهمات في أذنها الصغيرة وهيَ تصعد درجات بيتها الضيقة ..
"ليت لي أذان كثيرة حتى أسمع ما يقولون ، كلهم يتكلمون دفعة واحدة وبلا انقطاع وكأنَ ما يقولونه سيغير رأي والدي عن الرحيل.. ووالدتي حينَ تجلس معهم تنفجر بالبكاء الشديد،
وحينَ يعانقها ويهمس لها تبتسم لهُ وتلمس وجههُ بحنان..،متى سيستشيروني؟ أنا ياسمينتهم كما يقول لي والدي يومياً كلما رأني أهرب للحديقة وأصعد الأرجوحة وأحركها بركل أقدامي .."
"لمَ تقود السيارة بسرعة يا أبي ؟ "
" دعيه وشأنه ، ألا يكفيه ما سمعهُ من عتب وتقريع من الجميع.."
"هل مسموح لي أن أغني، أغنية صغيرة فقط علمتني إياها المدرسة .."
لاحظت ياسمين اكفهرار وجهي والديها ،فجلست بركن السيارة تنظر للخارج، تتأمل ما ظنتهُ حقولاً ترنو إليها عيون العشاق..، فجأة ظهرت لها من وسط الحقول جمجمة كبيرة ..
صرخت ياسمين وصرخت وصرخت ..

حدقت بوالديها كالمسمرة ..لم لا يباليان بصراخها .. هل أضحت أفكارهم محنطة ، كما يسمونها :
"سلعة الوطن" ، ومصادرة القرارات .؟.

سمعتْ فجأة صوت نشيج والدتها وهمس والدها الذي قالَ بعصبية : "هيا بنا نعود أدراجنا ..لنسلك درب الحرية.."

ياسمين ..ياسمينتي
الصغيرة...،
لا تصرخي فالجماجم لا تخيف بقدر تلك العقول
المتحجرة ..

هل أنتما مستعدتان للعودة .؟؟

وسمعَ صوت من بعيد ،مثل صافرات الإنذار وصوت خلفته عجلات سيارة تشق طريقها بسرعة البرق نحوَ المجد..

وبقيت هناك ياسمينة وحيدة تشق طريق عودتها وسط الحقول الموحلة والمطر الأسود يبلل فستانها الأبيض ، وياسمينة أخرى تسابق الرياح للعودة إلى المجهول ..
ياسمينتهم الصغيرة لا زالت تتأرجح
في الحديقة وصوت يناديها :
"هيا يا ياسمينتي لم يعد لدينا وقت.."

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي